Ambiguous Spirit

Hallucinations of a Lost Spirit

لعنة "البلاد"

هذه اللعنة حلت على الكثير منا نحن اصحاب البلادين الذين نقطن العاصمة. عانيت منها الكثير شخصيا، ولا زلت أعاني، لولا رحمة الله تعالى علي بأن رزقني فرصة الدراسة خارج الوطن في هذه السنين..

تتطلب مني لعنة "البلاد" أن أزور أقاربي ومعارفي في البلاد في كل نهاية أسبوع وفي كل الإجازات طالت أو قصرت وفي أي فرصة ممكنه. تعودت في كل يوم أربعاء أن أشد حقائبي.. أطفئ المفاتيح الكهربائيه بغرفتي وأتأكد من قفلها .. أستقل السيارة وأنطلق بها إلى أقرب محطة وقود لأملأ خزان الوقود أكمله إستعدادا للترحال لل "بلاد".

الطريق إلى البلاد يستهلك ما يقارب الساعتين والنصف من الوقت ذهابا ومثله إيابا أقضي أول ساعة منهما مستمعا إلى ما تقدمه الإذاعه من برامج أكثرها ممله وسخيفه تقدمها مذيعات "مايعات" ومذيعين "تفول" يتحاورون بين الفينة والأخرى بمتصلين من ذات النوع. كم مرة تسببت غميضتي مما أسمع في أن أغلق المذياع بكل عنف. في الباقي من وقت هذا المشوار الملعون تضعف الإشارة ولا أجد ما أسلي به نفسي، فأنا حتى اليوم لا أملك شريطا واحدا ولا أسطوانه. أحاول الدندنه مع ذاتي وبين الفينة والأخرى أحاول ضبط المذياع على "FM 70.2" لأستمع إلى ما تبثه القناة البريطانية العربيه من أخبار وحوارات.

نادرا ما اتوقف في ذاك المشوار، فأنا لا أحب إطالته أكثر. أتوقف للضرورات فقط كالصلاة أو التزود بالوقود إن نفذ، أو ربما لتحريك عضلات جسمي. أصل للبلد، وخلال ساعه أو ساعين أزور الفردين الوحيدين المتبقين من العائله هناك وكلاهما يعيش منفردا بذاته في منزل لوحده. بعد ذلك اتركهما لمشاغلهما لأذوذ إلى بيت العائله في البلد وأمضي باقي وقتي هناك وحيدا بينما الفراغ والملل يقتلانني. وخلال فترة بقائي اعاود الزيارة عدة مرات.

أحيانا تطول مدة بقائي أكثر إن صادف وجود أفراد آخرين من عائلتي فأقضي معهم ما يقارب نصف يوم "متقرفصا" في المجلس أو الحوش مستمعا إلى ذات القصص التي تعودت على سماعها منهم عن فلان وعلان. فلان شكى بأخوه مره ثانيه في المحكمة. وفلان الآخر ما اعطى جاره ماي يسقي. وفلان ما باغي يساهم في تصليح الفلج. وغيرها من القصص التي لا تقدم ولا تؤخر وطبعا ليي الهدف منها الوصول إلى حل أو أخذ عبرة بقدر ما هيه شتيمه في الناس وسخرية منهم. تصيبني هذه الجلسه ب "لوعان" تزيد حدته في كل مره.

مؤخرا بدأت في التساؤل عن ضرورة هذه الزيارات. فأولا: الفردين المتبقيين بالبلد كبار في السن ويحتاجان لمن يعتني بهما ورغم توفر السبل لعيشهما مع بقية العائله في مسقط يصران على البقاء في البلد بنفس الطريقة لوحدهم. لم؟ لا أجد سببا مقنعا. ثانيا: أليس الأجدر إستغلال كل هذا الوقت الثمين الذي يذهب هدرا إما في التنقل ذهابا وإيابا لساعات او في حضور مجالس لا فائدة منها في شيء يعود بالمنفعه. كذلك كل هذه المبالغ التي تصرف على وقود للتنقل وكتكاليف صيانة مضافة نظرا للمسافة الطويله التي تقطع، وكذلك ما يصرف على الإبقاء عى بيتين واحد في العاصمه وواحد آخر بالبلد، ألا يفترض أن تنفق في أوجه أكثر نفعا وفائده. هناك أيضا مخاطر الطريق والمضار الصحية الناتجة عن البقاء جلوسا لفترات طويله. عند موازنة كل هذه الأمور يتضح لي جليا أن سالفة البلاد لعنة حلت علي.

يا جماعة: موطن الإنسان وبلاده وين ما يوجد رزقه. الإنسان ما ينسى أصله بس هذا العصر فيه أمور أهم، والمفروض كل إنسان يوازن ويقيس كل جزء من حياته وإن كانت عادات كبر عليها.

والله تبارك وتعالى يقول: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون}.

 

والسلام عليكم ورحمة الله

....................................................................................